السبت، 8 سبتمبر 2012

الخوف من الله ... إني أخاف الله








وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ


الخوف من الله

  الخوفُ مِن أَفْضَلِ مَقاماتِ الدِّينِ وأَجَلِّها،فلذلك قال المُصَنِّفُ بوُجُوبِ إخلاصِهِ للهِ تعالى، وقد ذَكَرَهُ اللهُ تَعالى في كِتابِهِ عن ساداتِ المُقَرَّبِينَ مِن الملائكةِ والأولياءِ والصَّالِحِينَ، قالَ اللهُ تعالى:يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ  [النحل:50].
- وقال اللهُ تعالى: وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ  [الأنبياء:28].
- وقالَ تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ  [المؤمنون:57].
- وقالَ تعالى:
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ   [الأحزاب:39]
وأَمَرَ بإخلاصِهِ له فقالَ تعالى:
وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ   [البقرة:40].
- وقال تعالى:
فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ  [المائدة:47].
- وقالَ تعالى: أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ   [النحل:52].وهو على ثلاثةِ أقسامٍ:
أحدُها:
خوفُ السِّرِّ،وهو أَنْ يَخافَ مِنْ غيرِ اللهِ أَنْ يُصِيبَهُ بِمَا يَشاءُ مِنْ مَرَضٍ، أو فَقْرٍ، أو قَتْلٍ ونحوِ ذلك بقُدْرتِهِ ومَشِيئتِه، سواءٌ ادَّعَى أنَّ ذلكَ كَرامةٌ للمُخَوِّفِ بالشَّفاعةِ، أو على سَبِيلِ الاسْتِقلالِ، فهذا الخَوْفُ لا يَجوزُ تَعَلُّقُه بغيرِ اللهِ أصلاً؛ لأنَّ هذا مِن لَوَازِمِ الإلهيَّةِ، فمَن اتَّخَذَ مَعَ اللهِ نِدًّا يَخافُه هذا الخَوْفَ فهو مُشْرِكٌ.وهذا هو الذي كانَ المشركونَ يَعْتَقِدُونَه في أَصْنامِهم وآلهتِهم، ولهذا يُخَوِّفُونَ بها أَوْلِياءَ الرَّحمنِ كما خَوَّفُوا إبراهيمَ الخَلِيلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فقالَ لهم:
وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ   [الأنعام:80،81].
 وقالَ تعالى عن قَوْمِ هُودٍ أنَّهم قالُوا له:
إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنظِرُونِ   [هود:54،55].
 وقالَ تعالى:
وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ   [الزمر:36].
وهذا القِسْمُ هو الوَاقعُ اليومَ من عُبَّادِ القُبورِ، فإنَّهم يَخافُون الصَّالِحِينَ بل الطَّوَاغيتَ، كما يَخافُونَ اللهَ بَل أَشَدَّ.
ولِهَذَا إذا تَوَجَّهَتْ على أَحَدِهم اليَمِينُ باللهِ أَعْطَاكَ ما شِئْتَ مِن الأَيْمانِ كاذِبًا أو صادِقًا، فإنْ كانَ اليمينُ بصاحِبِ التُّرْبةِ لم يَقْدِرْ على اليَمِينِ إنْ كانَ كاذِبًا، وما ذاكَ إلاَّ لأنَّ المَدْفُونَ في التُّرابِ أَخْوَفُ عندَهُ من اللهِ.ولا رَيْبَ أَنَّ هذا ما بَلَغَ إليهِ شِرْكُ الأَوَّلِينَ، بل جَهْدُ أيمَانِهِم اليَمِينُ باللهِ تعالى، وكذلك لو أَصَابَ أحدًا منهم ظُلْمٌ لم يَطْلُبْ كَشْفَهُ إلاَّ مِن المَدْفُونِين في التُّرابِ.
وإذا أَرادَ أَنْ يَظْلِمَ أحدًا فاسْتَعاذَ باللهِ أو ببَيْتِهِ لم يُعِذْهُ، ولو اسْتَعاذَ بصاحِبِ التُّرْبةِ أو بتُرْبتِه لم يُقَدِّمْ عليهِ أحدًا ولم يَتَعَرَّضْ له بالأَذَى حتَّى إنَّ بعضَ النَّاسِ أَخَذَ مِن التُّجارِ أموالاً عظيمةً أيَّامَ مَوْسِمِ الحَجِّ، ثم بعدَ أيَّامٍ أَظْهَرَ الإِفْلاسَ، فقامَ عليهِ أَهْلُ الأَمْوالِ، فالْتَجَأَ إلى قبرٍ في جُدَّةَ يُقالُ لَهُ: المَظْلُومُ، فما تَعَرَّضَ له أَحَدٌ بمَكْرُوهٍ خَوْفًا من سِرِّ المَظْلُومِ وأَشْباهِ هذا من الكُفْرِ.وهذا الخَوْفُ لا يَكونُ العَبْدُ مُسْلِمًا إلاَّ بإِخْلاصِه للهِ تعالى وإِفْرادِه بذلك دونَ مَنْ سِوَاه. الثَّاني:أن يَتْرُكَ الإنسانُ ما يَجِبُ عليهِ مِن الجِهادِ والأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عن المُنْكَرِ
بغيرِ عُذْرٍ إلاَّ لخَوْفِهِ مِن النَّاسِ، فهذا مُحَرَّمٌ، وهوَ الذي نَزَلَتْ فيهِ الآيةُ المُتَرْجَمُ لها وهُوَ الذي جاءَ فيهِ الحديثُ:
انَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ إِذَا رَأَيْتَ المُنْكَرَ أَنْ لا تُغَيِّرَهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ خَشِيتُ النَّاسَ، فَيَقُولُ إِيَّاي كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى.   رَوَاهُ أَحْمَدُ.
 الثالثُ:
خوفُ وعيدِ اللهِ الذي تَوَعَّدَ به العُصَاةَ، وهو الذي قالَ اللهُ فيه:
ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ   [إبراهيم:14] .
 وقالَ:
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ  [الرحمن:46] .
 وقالَ تعالى:
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ  [الطور:26].
 وقالَ تعالى:
وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا   [الدهر:7]
 وهذا الخَوْفُ مِن أعلى مَراتِبِ الإيمانِ، ونِسْبةُ الأوَّلِ إليه كنِسْبةِ الإسلامِ إلى الإِحْسانِ، وإنَّما يَكونُ مَحْمُودًا إذا لم يُوقِعْ في القُنوطِ واليَأْسِ مِن رَوْحِ اللهِ، ولهذا قالَ شيخُ الإسلامِ: (هذا الخَوْفُ ما حَجَزَك عن مَعاصِي اللهِ، فما زادَ على ذلك، فهو غيرُ مُحْتاجٍ إليه). بَقِيَ قِسْمٌ رابعٌ: وهو الخوفُ الطَّبِيعيُّ، كالخوفِ مِن عَدُوٍّ وسَبُعٍ وهَدْمٍ وغَرَقٍ ونحوِ ذلك، فهذا لا يُذَمُّ وهو الذي ذَكَرَهُ اللهُ عن مُوسَى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قولِهِ:
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ   [القصص:21].
إذا تَبَيَّنَ هذا فمعنى قولِهِ تعالى:
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ.. أَيْ: يُخَوِّفُكُم أولياءهُ، ويُوهِمُكُم أَنَّهم ذو بَأْسٍ وشِدَّةٍ.
 قالَ اللهُ تَعالى:
فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ   [آل عمران:175]،
 أي: فإذا سَوَّلَ لكُم وأَوْهَمَكُم فتَوَكَّلُوا على اللهِ فإنَّهُ كافِيكُم وناصِرُكُم عليهِم، كما قالَ تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ   [الزمر:36] إلى قولِهِ: قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر: 38]. وقالَ تعالى:
فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا  [النساء: 75]، قالَه ابنُ كَثِيرٍ.
 وقالَ ابنُ القَيِّمِ:  ومِن كَيْدِ عَدُوِّ اللهِ أَنَّه يُخَوِّفُ المُؤْمِنِينَ مِن جُنْدِه وأَوْلِيائِه؛ لِئَلاَّ يُجاهِدُوهُم ولا يَأْمُرُوهم بِمَعْرُوفٍ، ولا يَنْهَوْهُم عن مُنْكَرٍ.
فأَخْبَرَ تعالى أَنَّ هذا مِن كَيْدِه وتَخْوِيفِه، ونَهَانا أَنْ نَخافَهم)
قالَ: ( والمعنى عندَ جميعِ المُفَسِّرِينَ يُخَوِّفُكُم بأوليائِهِ، قالَ قَتادةُ: (يُعَظِّمُهم في صُدُورِكُم، ولِهَذَا قالَ:
فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  [آل عمران:175].
فكُلَّما قَوِيَ إيمانُ العبدِ زالَ مِنْ قلبِه خوفُ أولياءِ الشَّيطانِ، وكُلَّما ضَعُفَ إيمانُ العبدِ قَوِيَ خَوْفُه منهم). قُلْتُ:فأَمَرَ تعالى بإخلاصِ هذا الخَوْفِ لَهُ، وأَخْبَرَ أنَّ ذلك شَرْطٌ في الإيمانِ، فمَن لم يَأْتِ بهِ لَمْ يَأْتِ بالإيمانِ الواجبِ، ففيه أَنَّ إِخلاصَ الخَوْفِ للهِ مِن الفَرائِضِ.قال: (وقولُه تعالى:
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَن بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ   [التوبة:19] الآيةَ).
لَمَّا نَفَى تَبارَكَ وتَعالَى عِمارةَ المَساجِدِ عن المُشْرِكِينَ بقولِهِ تَعالى:
مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللهِ   [التوبة:18]
 الآيةَ؛ إذ لا تَنْفَعُهُم عِمارتُها مع الشِّرْكِ، كما قالَ تَعالَى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا  [الفرقان:23]،
أَثْبَتَ تعالى في هذهِ الآيةِ عِمارةَ المَساجدِ بالعِبادةِ لِلمُؤْمِنين باللهِ تَعالى واليومِ الآخِرِ، المُقِيمِين الصَّلاةَ المُؤْتِين الزَّكاةَ، الذين لا يَخْشَونَ إلاَّ اللهَ، ولا يَخْشَوْنَ مَعَهُ إِلَهًا آخَرَ، كما قالَ تعالى:
وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا  [الأحزاب:39].
فهَذِهِ هِي العِمارةُ النَّافِعةُ، وهِي الخالِصةُ مِن الشِّرْكِ، فإنَّهُ نارٌ تُحْرِقُ الأَعْمالَ.وقولُه: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ} قال ابنُ عَطِيَّةَ: (يُرِيدُ خَشْيَةَ التَّعْظِيمِ والعبادةِ والطَّاعةِ، ولا مَحالةَ أَنَّ الإنسانَ يَخْشَى غيرَه، ويَخْشَى المَحاذِيرَ الدُّنْيَوِيَّةَ، ويَنْبَغِي أَنْ يَخْشَى في ذلكَ كُلِّه قَضاءَ اللهِ وتَصْرِيفَه).قُلْتُ: ولِهَذَا قالَ ابنُ عَبَّاسٍ في الآيةِ: (لم يَعْبُدْ إلاَّ اللهَ)؛ فإنَّ الخَوْفَ كما قالَ ابنُ القَيِّمِ: (عُبُودِيَّةُ القَلْبِ) فلا يَصْلُحُ إلا للهِ، كالذُّلِّ والإنابَةِ والمحبَّةِ، والتوكُّلِ والرجاءِ وغيرِهَا مِن عُبُودِيَّةِ القَلْبِ.
   حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَسْعَدَةَ ، نا قَتَادَةُ ، نا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
 الإِسْلامُ عَلانِيَةٌ ، وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ  ، ثُمَّ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ : " التَّقْوَى هَاهُنَا ، التَّقْوَى هَاهُنَا من أقوال الإمام علي رضي الله عنه: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن الســـلامة تـــرك ما فيــــها لا دار للمرء بعد الموت يسكنهــــا إلا التي كان قبل الموت بانيها فــإن بنـــاها بخـــير طاب مسكنهـا وإن بـــناها بشر خــاب بانيـها