الأحد، 1 أغسطس 2010

الكمبيوتر‏..‏ صديقي . . غرباء داخل جدران أربعة



غرباء داخل جدران أربعة
الكمبيوتر‏..‏ صديقي .

تحقيق : عـزت السـعدني

‏**‏ هل فكر أحد منا ان يجلس مع ابنه أو ابنته ولو ساعة زمان واحدة‏..‏ يتحدثان حديث الكبير للصغير‏..‏ أم أننا كلنا مجرد ركاب قطار‏..‏ بلا محطة وصول‏!

**‏قالها لي شاب في نحو السابعة عشرة يدخل امتحان الثانوية العامة بعد أيام‏:‏ يا أونكل الكمبيوتر هو صديقي الوحيد‏..‏

قلت له‏:‏ ازاي يا عم مدحت؟
قال‏:‏ باتكلم معاه‏...‏ وأجد معه متعة ما بعدها متعة‏..‏ وهو يحفظ كل أسراري‏..‏ مثل أبوالهول يعرف ولا ينطق‏..‏ أتحاور معه وأسأله ويجيبني في أي شئ وفي أي وقت ومن خلاله أشوف العالم كله لما أدخل علي شبكة النت‏..‏

قلت‏:‏ وإلي من تشكو همك؟
قال‏:‏ أنا همومي ليست كثيرة ولا كبيرة‏..‏ والحوار مع أصدقائي كفيل بإزالة أي هم‏,‏ وأي لغم صغير قبل أن ينفجر‏!‏

قلت‏:‏ أمال فين بابا‏,‏ فين ماما‏..‏ فين اخواتك في البيت؟
قال‏ وكأنه حفيد أرسطو الفيلسوف‏‏ يا أونكل في الزمن اللي احنا فيه ده كل واحد في حاله‏..‏ ماحدش فاضي لحد‏..‏ ماحدش بيفكر إلا في نفسه وبس‏..‏ كل واحد وهمه‏..‏ يحل مشاكله هو الأول‏..‏ وبعدين يبقي يحن علي الآخرين‏!‏

يقطع حواري مع فتي الثانوية العامة نداء والده لنا لأن السفرة جاهزة‏..‏ أخذنا أماكننا علي عزومة الغداء في بيت صديق عزيز هو نفسه والد صديق الكمبيوتر‏..‏

أسأل الأب‏:‏ هو ابنك في سنة كام؟
يرد بسؤال لزوجته‏:‏ أفتكر في آخر سنة في الثانوية العامة موش كده واللا إيه؟
الأم بسخرية متوارية‏:‏ هو انت حتفتكر إيه واللا إيه‏..‏ هو انت فاضي لحد‏..‏ غرقان لشوشتك في أخبار البورصة والبنوك‏..‏ بذمتك ودينك انت فاكر بنتك بتدرس إيه في الجامعة الأمريكية؟

يرد بسرعة‏:‏ أفتكر تجارة خارجية‏..
‏الأم تصحح‏:‏ لا‏..‏ إدارة أعمال‏.
‏ الأب‏:‏ ماتفرقشي ..


البنت الكبيرة زي فلقة القمر تدخل وتحيي وتسحب كرسيا إلي جوار أمها في مواجهة أبيها الذي توجه له الكلام‏:‏ ماتنساش يابابا فلوس الرحلة‏..‏ وموافقة حضرتك وإمضاءك الكريم تطلعه وأنت ساكت عشان يطلعوني معاهم‏..‏
الأب يسأل‏:‏ هما عاوزين كام؟
البنت التي مثل فلقة القمر‏:‏ ثلاثة آلاف دولار بس‏..‏ وهنروح ياسيدي باريس ولندن‏..‏ أسبوعين بحالهم‏.‏
الأب‏:‏ بكرة عدي عليا في المكتب خدي الفلوس والموافقة‏!‏

صديق الكمبيوتر محتجا‏:‏ تلات تلاف دولار حتة واحدة‏..‏ يعني حوالي‏18‏ ألف جنيه‏..‏ لكن لو أنا طلبت لاب توب تقولولي ما عندك الكمبيوتر‏,‏ ماله وحش‏..‏ أو أطلب موبايل جديد‏..‏ تقولولي لما ياحبيبي تخش الجامعة‏..‏ طيب أنا لما أخش الجامعة‏..‏ عاوز عربية زي الست أختي بتاعة الجامعة الأمريكية‏!‏
الأب‏:‏ انت ياحبيبي راجل تستحمل تركب عربية المدرسة لكن اختك بنت واللا يعني موش خايف عليها‏!‏

الأم بتهكم‏:‏ ياراجل‏..‏ يعني سايب بنتك تسافر لوحدها مع بنات وشباب أوروبا‏..‏ انت عارف يعني إيه أوروبا وموش خايف ولا حتي قلقان عليها؟

البنت في صوت كالصراخ‏:‏ احنا ما صدقنا بابا وافق‏..‏ عاوزة تقوميه عليا واللا إيه ياست ماما‏!‏
الأب‏:‏ خليها تروح تشوف الدنيا‏..‏ ما تخافيش عليها‏..‏ أنا بنتي راجل‏..‏ راجل بشنب ودقن‏!‏

أتدخل مشيرا إلي البنت التي مثل فلقة القمر‏:‏ هي دي برضه راجل بشنب ودقن يا مختار بيه؟

يحمر وجه الفتاة‏..
‏ بينما يضحك صاحب الدار وهو يقول‏:‏ دي بنت مجدع تخش في الحديد‏..‏ ياللا بقي نخش في الأكل‏..‏ المدام عاملالك ديك رومي بالخلطة أصلك عزيز عليها قوي‏..‏ موش بلدياتك يا عم‏..‏

ونحن نشرب فناجين القهوة في الصالون الكبير أخذت صديق الكمبيوتر جانبا وقلت له‏:‏ طيب ما البيت هايص وباباك ومامتك بيتكلموا معاك أهه وبتاكلوا سوا‏..‏ أمال إيه مافيش ليا صديق إلا الكمبيوتر‏!‏
قال‏:‏ ده بس قدامك النهاردة‏..‏ لكن تعالي ساعة الغداء أو العشاء في أي يوم تاني‏..‏ تلاقي الدنيا هس هس‏..‏ وكل واحد بياكل لوحده‏!..‏ ده حتي الفطار كل واحد يخطف له لقمة علي كباية شاي بلبن ويفلسع‏!‏
قلت‏:‏ وعرفت كمان كلمة يفلسع‏!
‏ قال‏:‏ أيوه‏..‏ وفيه يشطح وينطح ويبرطع ويطرقع ويبعبع ويلسن ويبلسن ويشنفر ويخنفر ويصنفر ويعفر‏..‏ والكلمة الأخيرة يعني يطرقع له سيجارتين بعيد عن عيون الأب في الحمام واللا في أوضته أو في الجنينة‏..

‏ أسأله‏:‏ وانت بتطرقع سجاير واللا بدري عليك؟
يقول هامسا‏:‏ ساعات وساعات‏..‏ آه لو بابا يعرف إن أختي عندها في أوضتها علبة سجاير أمريكاني‏!‏
قلت‏:‏ لكن ماما أكيد عارفة‏..‏ وعارفة كمان كام سيجارة بتطرقعها انت كل يوم‏!‏

يسألني‏:‏ إيش عرفك بقي‏!‏
قلت‏:‏ بالحداقة كده‏..‏ أصل الأم في زماننا ده تحب تخبي علي عيالها‏..‏ يعني تداري ولا تداوي‏..‏ يقول‏:‏ أيوه عارفها‏..‏ والأب زي ما بتقول يصرف ولا يعرف‏!

‏قلت‏:‏ عليك نور ياصديق الكمبيوتر‏!‏


أين ذهبت لمة العيلة‏..‏ أين ذهب الونس؟
اصبحنا نعيش في لوكاندة اسمها البيت‏..‏
نأكل ونشرب وننام وكأننا ركاب قطار مسافر بلا محطة وصول‏!