غرباء داخل جدران أربعة
الكمبيوتر.. صديقي .
تحقيق : عـزت السـعدني
** هل فكر أحد منا ان يجلس مع ابنه أو ابنته ولو ساعة زمان واحدة.. يتحدثان حديث الكبير للصغير.. أم أننا كلنا مجرد ركاب قطار.. بلا محطة وصول!
**قالها لي شاب في نحو السابعة عشرة يدخل امتحان الثانوية العامة بعد أيام: يا أونكل الكمبيوتر هو صديقي الوحيد..
قلت له: ازاي يا عم مدحت؟
قال: باتكلم معاه... وأجد معه متعة ما بعدها متعة.. وهو يحفظ كل أسراري.. مثل أبوالهول يعرف ولا ينطق.. أتحاور معه وأسأله ويجيبني في أي شئ وفي أي وقت ومن خلاله أشوف العالم كله لما أدخل علي شبكة النت..
قلت: وإلي من تشكو همك؟
قال: أنا همومي ليست كثيرة ولا كبيرة.. والحوار مع أصدقائي كفيل بإزالة أي هم, وأي لغم صغير قبل أن ينفجر!
قلت: أمال فين بابا, فين ماما.. فين اخواتك في البيت؟
قال وكأنه حفيد أرسطو الفيلسوف يا أونكل في الزمن اللي احنا فيه ده كل واحد في حاله.. ماحدش فاضي لحد.. ماحدش بيفكر إلا في نفسه وبس.. كل واحد وهمه.. يحل مشاكله هو الأول.. وبعدين يبقي يحن علي الآخرين!
يقطع حواري مع فتي الثانوية العامة نداء والده لنا لأن السفرة جاهزة.. أخذنا أماكننا علي عزومة الغداء في بيت صديق عزيز هو نفسه والد صديق الكمبيوتر..
أسأل الأب: هو ابنك في سنة كام؟
يرد بسؤال لزوجته: أفتكر في آخر سنة في الثانوية العامة موش كده واللا إيه؟
الأم بسخرية متوارية: هو انت حتفتكر إيه واللا إيه.. هو انت فاضي لحد.. غرقان لشوشتك في أخبار البورصة والبنوك.. بذمتك ودينك انت فاكر بنتك بتدرس إيه في الجامعة الأمريكية؟
يرد بسرعة: أفتكر تجارة خارجية..
الأم تصحح: لا.. إدارة أعمال.
الأب: ماتفرقشي ..
البنت الكبيرة زي فلقة القمر تدخل وتحيي وتسحب كرسيا إلي جوار أمها في مواجهة أبيها الذي توجه له الكلام: ماتنساش يابابا فلوس الرحلة.. وموافقة حضرتك وإمضاءك الكريم تطلعه وأنت ساكت عشان يطلعوني معاهم..
الأب يسأل: هما عاوزين كام؟
البنت التي مثل فلقة القمر: ثلاثة آلاف دولار بس.. وهنروح ياسيدي باريس ولندن.. أسبوعين بحالهم.
الأب: بكرة عدي عليا في المكتب خدي الفلوس والموافقة!
صديق الكمبيوتر محتجا: تلات تلاف دولار حتة واحدة.. يعني حوالي18 ألف جنيه.. لكن لو أنا طلبت لاب توب تقولولي ما عندك الكمبيوتر, ماله وحش.. أو أطلب موبايل جديد.. تقولولي لما ياحبيبي تخش الجامعة.. طيب أنا لما أخش الجامعة.. عاوز عربية زي الست أختي بتاعة الجامعة الأمريكية!
الأب: انت ياحبيبي راجل تستحمل تركب عربية المدرسة لكن اختك بنت واللا يعني موش خايف عليها!
الأم بتهكم: ياراجل.. يعني سايب بنتك تسافر لوحدها مع بنات وشباب أوروبا.. انت عارف يعني إيه أوروبا وموش خايف ولا حتي قلقان عليها؟
البنت في صوت كالصراخ: احنا ما صدقنا بابا وافق.. عاوزة تقوميه عليا واللا إيه ياست ماما!
الأب: خليها تروح تشوف الدنيا.. ما تخافيش عليها.. أنا بنتي راجل.. راجل بشنب ودقن!
أتدخل مشيرا إلي البنت التي مثل فلقة القمر: هي دي برضه راجل بشنب ودقن يا مختار بيه؟
يحمر وجه الفتاة..
بينما يضحك صاحب الدار وهو يقول: دي بنت مجدع تخش في الحديد.. ياللا بقي نخش في الأكل.. المدام عاملالك ديك رومي بالخلطة أصلك عزيز عليها قوي.. موش بلدياتك يا عم..
ونحن نشرب فناجين القهوة في الصالون الكبير أخذت صديق الكمبيوتر جانبا وقلت له: طيب ما البيت هايص وباباك ومامتك بيتكلموا معاك أهه وبتاكلوا سوا.. أمال إيه مافيش ليا صديق إلا الكمبيوتر!
قال: ده بس قدامك النهاردة.. لكن تعالي ساعة الغداء أو العشاء في أي يوم تاني.. تلاقي الدنيا هس هس.. وكل واحد بياكل لوحده!.. ده حتي الفطار كل واحد يخطف له لقمة علي كباية شاي بلبن ويفلسع!
قلت: وعرفت كمان كلمة يفلسع!
قال: أيوه.. وفيه يشطح وينطح ويبرطع ويطرقع ويبعبع ويلسن ويبلسن ويشنفر ويخنفر ويصنفر ويعفر.. والكلمة الأخيرة يعني يطرقع له سيجارتين بعيد عن عيون الأب في الحمام واللا في أوضته أو في الجنينة..
أسأله: وانت بتطرقع سجاير واللا بدري عليك؟
يقول هامسا: ساعات وساعات.. آه لو بابا يعرف إن أختي عندها في أوضتها علبة سجاير أمريكاني!
قلت: لكن ماما أكيد عارفة.. وعارفة كمان كام سيجارة بتطرقعها انت كل يوم!
يسألني: إيش عرفك بقي!
قلت: بالحداقة كده.. أصل الأم في زماننا ده تحب تخبي علي عيالها.. يعني تداري ولا تداوي.. يقول: أيوه عارفها.. والأب زي ما بتقول يصرف ولا يعرف!
قلت: عليك نور ياصديق الكمبيوتر!
أين ذهبت لمة العيلة.. أين ذهب الونس؟
اصبحنا نعيش في لوكاندة اسمها البيت..
نأكل ونشرب وننام وكأننا ركاب قطار مسافر بلا محطة وصول!