الجمعة، 4 يوليو 2014

أعمل ما شئت كما تدين تدان



أعمل ما شئت كما تدين تدان
 

المثل: كما تدين تدان:

فهناك صنف من الناس دائم الشكوى والتبرم والتظلم ، ولا يكفّ عن إلقاء اللوم على غيره ، ويتساءل دائماً في حيرة وقلق :

لماذا لا يوفقني الله لطاعته ؟ لماذا يجعلني من أهل معصيته ؟ لماذا يبتليني بالأمراض والضعف في بدني ؟ لماذا يكدر عليّ معيشتي ؟ لماذا لا يجعلني أشعر بالسعادة والفرح والسرور ؟ لماذا يبتليني بالهموم والغموم والأحزان وضيق الصدر ؟ لماذا يوقعني في المصائب والفشل والبلايا ؟ لماذا يبتليني بالغضب وضعف البصيرة ؟

ولو تأمل هذا المشتكي في ذلك ، لعلم أن الآفة فيه والبلية منه ، فسبب تلك الشرور والمصائب التي تحيط بالإنسان هي نفسه التي بين جنبيه !

 قال تعالى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [165: سورة آل عمران]

 وقال تعالى { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [79: سورة النساء]

 وقال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} [30: سورة الشورى]

فالجزاء من جنس العمل ، والحصاد من جنس البذرة ، واعمل ما شئت فكما تدين تدان !!

ولكن الإنسان لا يرى ذلك ؛ لأنه طُبع على الجهل والظلم وحُسن الظن بالنفس والرضى بأفعالها  قال تعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا } [72: سورة الأحزاب] .

وقال تعالى : {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [6: سورة العاديات]

 قال ابن عباس ومجاهد رضي الله عنهما : كفور جحود للنعم . وقال الحسن : هو الذي يعدُّ المصائب وينسى النعم . وقال أبو عبيدة : هو قليل الخير.

هكذا أنت أيها الإنسان ! أنت الظالم الجاهل .. الكفور الكنود .. الجحود لنعم الله تعالى ..

 إلا من رحم الله عز وجل من عباده الصالحين { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [13: سورة سبأ] .

كيف تشتكي وأنت القاعد في طريق مصالحك تقطعها عن الوصول إليك ؟

وكيف تتبرم وأنت الغيم المانع لإشراق شمس الهدى على قلبك ؟

وكيف تتظلم وأنت الحجر الذي قد سد مجرى الماء الذي به حياتك ؟

ومع ذلك تستغيث : العطش العطش !!

- فأنت الظالم وتدعي أنك مظلوم .. وأنت المعرض وتزعم أنهم طردوك وأبعدوك !!

- تولي ظهرك الباب .. بل تغلقه على نفسك .. وترمي مفتاحه .

كن عاقلاً

* أما العاقل فإنه ينظر إلى نفسه ، ويحاسبها ، ويعرف أنها محلُ جناية ومصدر البلاء ؛ لأنها خلقت ظالمة جاهلة ، وأن الجهل والظلم يصدر عنهما كل قول وفعل قبيح . وهذا النظر يدعوه إلى العمل على إخراجها من هذين الوصفين ، فيبذل جهده في تعلم العلم النافع الذي يخرجها عن وصف الجهل ، ويبذل جهده في اكتساب العمل الصالح الذي يخرجها به عن وصف الظلم .

ويرغب إلى خالقها وفاطرها أن يقيها شرها ، وأن يؤتيها تقواها ، وأن يزكيها فهو خير من زكاها ، فهو وليّها ومولاها ، وألا يكله إلى نفسه طرفة عين ، فإنه إن أوكله إليها هلك .

 قال تعالى { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [16: سورة التغابن].

* فيا عبد الله !

- إذا وقعت في معصية ، فاعلم أن ذلك منك لا من غيرك .

- وإذا نزل بك بلاء ، فبسبب جهلك وظلمك .

- وإذا عشت في ضيق وهم وغمّ وكرب وخوف وقلق ، فاعلم أن ذلك بسبب بعدك عن ربك ، وإعراضك عن خالقك وفاطرك .. فانظر في نفسك .. ودققّ النظر ، فسترى سبب ذلك لائحاً أمام عينيك . أما إذا لم تر ذلك ، فالأمر كما قال الشاعر :

قد تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ *** وينكر الفم طعم الماء من سقم

قال تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [سورة الزلزلة] .

كفى مخادعة

فيا من تشكو وتتظلم وتتبرم !

- أين أنت من القيام بواجب العبودية لله عز وجل ؟

- أين عبودية قلبك ؟

- أين عبودية لسانك ؟

- أين عبودية جوارحك ؟

- أين أنت من الصلاة ؟

- أين أنت من الزكاة ؟

- أين أنت من الصيام ؟

- أين أنت من الحج ؟

- أين أنت من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

- أين أنت من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران ؟

- أين أنت من مصاحبة الأخيار والتخلق بأخلاقهم ؟

- أين أنت من ترك صحبة الأشرار وتكثير سوادهم ؟

- أين أنت من مزاحمة العلماء بالركب وحضور مجالسهم ؟

- أين أنت من الاهتمام بشؤون المسلمين والدعاء لهم والتألم لآلامهم ومصائبهم ؟

- أين أنت من صدق الحديث والوفاء بالوعد وأداء الأمانة ، وترك الغيبة والنميمة والحسد والبغضاء ؟

- أين مراقبتك لله وقد جعلته أهون الناظرينَ إليك ؟

- أين شكرك للنعم وأنت تستخدم نعمه في محاربة ليلاً ونهاراً ؟

- أين حفظك للرأس وما وعى ؟

- أين حفظك للبطن وما حوى ؟

- أين ذكرك للموت والبلى ؟

- فالعين منك مسخَّرة في النظر إلى المحرمات ، ومشاهدة القنوات التي تعرض للعهر والفجور ، وتدعو إلى الفساد والرذيلة .

- واليدُ : جعلتها وسيلة لإيذاء من لا يحلُّ لك إيذاؤه ، أو لمس ما لا يحلُّ لك لمسه ، أو تناول مالا يجوز لك تناوله .

- الرجلُّ : وظفتها في السعي إلى الحرام ، وإيذاء عباد الله الصالحين ، بدلاً من السعي إلى الطاعات وإقام الصلوات .

- والقلب يهوى ويتمنى ..

- والفرج يصدّق ذلك أو يكذّبه .

قال تعالى : {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ(25) }[ سورة النــور].

سبيل النجاة

* أخي المفرّط !

هذا بعض ما جَنَتْه يداك .. وهذه عاقبة أفعالك ومعاصيك ، ولكنك لا تشعر : {لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [22: سورة ق] .

* أما في الدنيا : فأنت من أعظم الناس غروراً .. ترجو النجاة ، وتأمل السعادة والراحة ، وتطمع في الفرح والسرور والسكينة والطمأنينة ، مع أنك دائم السير في الطرق الموصلة إلى أضداد هذه الأمور .

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها *** إن السفينة لا تجري على اليَبَسِ

احفظ الله يحفظك

هكذا قال صل الله عليه وسلم : ( احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ) [رواه أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح ] .

قال الحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث ما ملخصه :( يعني احفظ حدود الله وحقوقه ، وأوامره ونواهيه ، وحفظ ذلك : هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتناب ، وعند حدوده ، فلا يتجاوز ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهي عنه ، فدخل في ذلك فعل الواجبات جميعها وترك المحرمات كلها ... وذلك كله يدخل في حفظ حدود الله كما ذكره الله في قوله : {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ } [112: سورة التوبة]، وقال {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [32: سورة ق] ، وقد فسِّر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله ، وقد فسِّر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله ، وفسِّر بالحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها ، وكلاهما يدخل في الآية .

حفظ الصلوات الخمس

ومن أعظم ما يجب حفظه من المأمورات : الصلوات الخمس. قال تعالى : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [238: سورة البقرة]

 وقال تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [34: سورة المعارج] .

حفظ الوضوء

* وكذلك الطهارة فإنها مفتاح الصلاة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) [ رواه أحمد بسند حسن ] .

فإن العبد تنتقض طهارته ولا يعلم بذلك إلا الله ، فالمحافظة على الوضوء للصلاة دليل ثبوت الإيمان في القلب .

حفظ الأيمان

* ومما أمر الله تعالى بحفظه : الأيمان ، ولهذا لمَّا ذكر الله كفارة اليمين قال: { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [89: سورة المائدة] فمن حفظ أيمانه دلَّ على دخول الإيمان قلبه .

وكان السلف يحافظون على الأيمان ، فمنهم من كان لا يحلف بالله ألبتة ، ومنهم من كان يتورع حتى يكفّر عما شك في الحلف فيه .

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب ، ولا تصدر كثرة الحلف بالله إلا من الجهل بالله ، وقلة هيبته في الصدور .

حفظ الرأس والبطن

* ومما يلزم المؤمن حفظه : رأسه وبطنه وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه : حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات .

وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرَّم . وقد جمع الله ذلك كله في قوله تعالى :

{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [36: سورة الإسراء].

ويدخل في حفظ البطن وما حوى : حفظه من إدخال الحرام عليه من المأكولات والمشروبات

حفظ اللسان والفرج

* ومما يجب حفظه من المنهيات : حفظ اللسان والفرج . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قال :( من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ) [ خرجه الحاكم ] . وخرّجه البخاري من حديث سهل بن سعد.

وقد أمر الله تعالى بحفظ الفروج خاصة ، ومدح الحافظين لها ، قال تعالى : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [30: سورة النــور] .

وقال تعالى : { وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ } [35: سورة الأحزاب] .

وقد روي عن أبي إدريس الخولاني : أن أول ما وصّى الله آدم عند إهباطه إلى الأرض بحفظ فرجه ، وألا يضعه إلا في حلال .

الجزاء من جنس العمل

قوله :( يحفظك ) يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله ، فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [40: سورة البقرة] ، وقال {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [152: سورة البقرة]. وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [7: سورة محمد] .

أنواع الحفظ

* وحفظ الله لعبده يتضمن نوعين : أحدهما : حفظه في مصالح دنياه / كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله . ..  قال تعالى :

{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [11: سورة الرعد] .

قال ابن عباس : هم الملائكة يحفظونه بأمر الله ، فإذا جاء القدر خلوا عنه .

وقال مجاهد : ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوامّ ، فما من شيء يأتيه إلا قال : رواءك ، إلا شيء قد أذن الله فيه فيصيبه .

صور حفظ الله للعبد في دنياه

* ومن حفظ الله للعبد في دنياه : أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله .

* قال بعض السلف : العالم لا يخرف . وقال بعضهم : من جمع القرآن متَّع بعقله .

وتأوّل بعضهم على ذلك قوله تعالى :

{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) }[ سورة التين] .

وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته ، فوثب يوماً من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة ، فعوتب على ذلك فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر.

* وعكس هذا : أن الجنيد رأى شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا ضيّع الله في صغره ، فضيّعه الله في كبره !!

حفظه في أولاده

* وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده . كما قيل في قوله تعالى : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [82: سورة الكهف] أنهما حفظا بصلاح أبيهما .

* وقال محمد بن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها ، فما يزالون في حفظ من الله وستر .

* وقال ابن المسيب لإبنه : يا بنيّ لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحُفظ فيك ، وتلا هذه الآية :{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [82: سورة الكهف].

حفظه في أمواله

ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله عز وجل ، فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال .

* كان شيبان الراعي يرعى غنماً في البرية ، فإذا جاءت الجمعة خَطَّ عليها خطّاً ، وذهب إلى الجمعة ، ثم يرجع وهي كما تركها !!

* وكان بعض السلف في يزن دراهم له فى الميزان ، فسمع الآذان ، فنهض ونفضها على الأرض ، وذهب إلى الصلاة ، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء .

حفظه من الجن والإنس

* ومن الأنواع حفظ الله لعباده في دنياه : أن يحفظه من شر كلّ من يريده سواء كان من الجن أو الأنس

 

 " البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت فكما تدين تدان " الديلمي "

المعنى عن ثابت البناني قال : رأيت رجلا يضرب أباه في موضع فقيل له : ما هذا ؟

فقال الأب : خلوا عنه فإني كنت أضرب أبي في هذا الموضع فابتليت بابني يضربني في هذا الموضع

الديان هو الله الحى القيوم .