المذاهب الفكرية المعاصرة
معنى القومية..وبعض المصطلحات الأخرى
اسلام ويب رقم الإستشارة: 278751 أ/ الهنداوي
http://www.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=278751
السؤال :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أريد من فضيلتكم أن تعرفوا لنا المصطلحات التي تشابهت علينا في هذا العصر، وأصبحنا لا نفهم أي شيء مما يدور حولنا.
ما معنى القومية، والرأسمالية، والاشتراكية، والشيوعية، والاشتراكية، والعصرنة الحداثة، والقطب الأوحد، والمعسكر الشرقي والغربي.
وما موقف الإسلام منها مع الأمثلة وبأسلوب بسيط مقنع؟
الإجابــة بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فلقد أحسنت بهذا السؤال الذي أردت به التعرف على هذه المصطلحات والتي تتداول تداولاً كبيرًا ولا يكاد أن تمر نشرة من الأخبار أو مقال سياسي إلا وتجدها حاضرة فيه، وهذا يا أخي يحتاج منك معرفة قاعدة عظيمة في هذا الأمر وهي أن المؤمن كيسٌ فطن حريص على معرفة ما يجري حوله ليعيش واقعه، فإن المؤمن الحق ليس هو الذي يُغلق بابه عليه ولا يلتفت إلى ما يجري حوله في هذه الدنيا فلا ينصر مسلمًا ولا يعرف كيد عدو، بل المؤمن الحق هو الذي يبذل جهده في معرفة الخير ومعرفة ما يضاده وهو الشر، فيجتمع له حينئذ العلم النافع، فاحفظ هذا فإنه ينفعك ليس في دينك فقط بل وفي دنياك.
فإن العلم علمان: (علم بالحق، وعلم بما يضاد الحق)، وبعبارة أخرى: أن تبذل جهدك في معرفة طرق الخير وأن تبذل جهدك أيضًا في الحذر من طرق الشر بأن تعرفها لتتوقى منها، ولذلك ثبت في الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صل الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني).
وهذا هو العقل الكامل وهو أن تعرف الخير لتلتزمه وأن تعرف الشر لتجتنبه.
وقد قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، فهو جل وعلا يفصل الآيات أي يبينها ويوضحها، ولتستبين سبيل المجرمين: أي لتظهر طريق المجرمين عيانًا وليعرفها المؤمنون فيجتنبونها، فبهذا يُعلم أنه لابد من التعرف على الخير ليُعمل به ويُحرص عليه، ولو أن يتعرف أيضًا على طرق أهل الغواية والشر ليُحذر منها، فهذا أمر عظيم لابد من معرفته والحرص عليه، وهو من آكد المعاني التي يحرص عليها العقلاء الأكياس من أمثالك إن شاء الله.
ولننتقل إلى جواب أسئلتك الكريمة، فأما عن (القومية)، فإننا قد أفردنا فيها جوابًا كاملاً يمكنك الاطلاع عليه وهو برقم (278413)، ففيه التفصيل لمعناها وفيه أيضًا بيانها بالأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، ومع هذا فنعرفها لك تعريفًا يناسب هذا السؤال فنقول:
القومية هي: مذهب يقوم على أساس الموالاة للقوم بحيث أن الإنسان يوالي ويعادي بناء على الانتساب إلى القوم، فالقومية بهذا الاعتبار أن ينتسب كل إنسان إلى قومه فيجعل الأصل فيما يواليهم وفيما يعاديهم بناء على ذلك، وهذا الذي تراه في كثير من الناس بحيث يكون أمره دائرًا على هذا المعنى، فالذي يجمعه هو الانتساب إلى القوم والموالاة والمعاداة على ذلك والعمل من أجل هذا المعنى وجعله سببًا للاجتماع وتحقيق المصالح ودفع المفاسد.
فقد ظهر لك معنى القومية بهذا المعنى، وهذا الذي يعبر عنه بالقومية العربية تارة أو بقومية بعض الشعوب التي تصغر تارة وتكبر أخرى، فتارة تكون بالوطن الذي له حدود مرسومة، وتارة تكون بالإقليم وتارة تكون بالقارة وكل ذلك من معاني القومية فإنهما يندرجان في بعضهما بعضًا.
وأما عن (الرأسمالية) فهو مذهب يقوم على أساس اقتصادي قائم على رأس المال بمعنى التجارة الحرة المطلقة التي لا يضبطها ضوابط إلا ما يُسنُّ من قوانين يضعها أصحابها في ذلك، وهي قائمة أيضًا في الحقيقة على فصل الدين عن الدولة، بمعنى أن الدين لا حكم له وأن الدولة تقرر ما يصلحها في هذا الشأن، وغاية الدين أن يكون في دُور العبادة وشعارهم (دعه يعمل دعه يمر)، أي طالما أنه لا يخالف القانون الذي وضعه أصحاب هذا الشأن في هذا الأمر، وهو قائم أيضًا على نظم اجتماعية قد تكونت بسبب هذا النظام، وكذلك قائم على نظم سياسية وهي التي تسمى بـ (الديمقراطية) على المفهوم الغربي، والتي غايتها هي حكم الشعب، فإنها كلمة أصلها يوناني هذا تركيبها (حكم وشعب).
وأما عن (الاشتراكية) فهي نظام – أو مذهب – اقتصادي يقابل أو يضاد (الرأسمالية) وأساسه إلغاء الملكية الفردية وجعل الثروات مشتركة بين الناس وأن تُقسم بين الناس بالتساوي بحيث يمنع الفرد من تملك الزائد عن حاجته ويقسم ذلك بين الناس، ومؤسس هذا المذهب هو (ماركس) وهي التي تسمى بـ(النظرية الماركسية) والتي تبعه عليها أقطاب هذا المذهب مثل (لينين) و (استالين)، ومن المعلوم أنها قد انهارت وتلاشت وسقطت وكانت الدولة الراعية لهذا المذهب هي (روسيا) والتي أسست فيما يعرف سابقًا بـ(الاتحاد السوفيتي)، وفرضت مذهبها بالحديد والنار - كما هو معلوم - .
وأما (الشيوعية) فهي قريبة (الاشتراكية) فإن الشيوعية تعني: الشيوع أي الانتشار أي لا اعتبار للملكية الفردية وإنما يُشاع الأمر بين الناس.
هذا مع الإشارة إلى أن هذا المذهب وهو الشيوعية والاشتراكية وهما مذهب واحد قائم على نفي الدين أيضًا، وإبطاله، فعندهم الدين هو المخدر الذي يُخدر الشعوب، ولذلك هم يعلنون الإلحاد الصريح ويعلنون نفي وجود الخالق بل ويحاربون الدين أي دين لاسيما دين الإسلام، فإنهم قتلوا مئات الآلاف من المسلمين وأقاموا لهم من المجازر والذبح والتقتيل أمرا يفوق الوصف، وكان ذلك في وقت الاتحاد السوفيتي أيام ماركس ولينين واستالين وغيرهم من الكفرة المعاندين، وكان كذلك أيضًا في الصين حيث قُتل المسلمون مقاتل عظيمة، وكان أيضًا هنالك مقاتل للمسلمين في الهند أيضًا عند الذين يتبنون المذهب الاشتراكي في ذلك الوقت، فكان أساس عدائهم للإسلام ثم عداؤهم للأديان وإبطالها، وأصل هذا المذهب إنما هو من وضع اليهود الذين أرادوا به إبطال الأديان والسيطرة على الناس بنزعهم عن أي عقيدة ينتمون إليها.
وأما عن هذه الكلمة (العصرنة) فهو مصطلح فاسد من جهة المعنى ومن جهة اللغة أيضًا، فالتركيب خطأ من جهة اللغة، ويُعنى به طائفة من الناس الذين يحاولون إظهار بعض المبادئ الغربية القادمة من بلاد النصارى، وأيضًا فإن كثيرًا منهم قد قام مناديًا بالديمقراطية الغربية على طريقتها المشهورة المعروفة، وكذلك ما يسمى بتحرير المرأة ويقصدون بذلك نزع حجابها عنها ويسمون ذلك مساواة بين الرجل والمرأة وغير ذلك من الأمور التي يدعون إليها، وهم الذين يطلق عليهم أيضًا (الحداثيين) ومنهم من يحاول أن ينتهج في ذلك أسلوب الأدب والشعر والمقالات الصحافية، وغير ذلك من الوسائل التي يتوصلون بها إلى هذه المعاني.
وأما عن (القطب الأوحد) فإن هذا المصطلح يراد به أن العالم كانت تحكمه قوتان عسكريتان وهما الاتحاد السوفيتي سابقًا والولايات المتحدة الأمريكية وكان الاتحاد السوفيتي قد أنشأ له حلفًا اسمه (حلف وارسو)، وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت حلفًا يسمى بـ (الحلف الأطلسي) وهو موجود إلى الآن.
فانهار معسكر الاتحاد السوفيتي وهو (معسكر الشرق)، وتفككت دويلاته وأُبطل الحلف الذي كان موجودًا (حلف وارسو) والذي يشمل أوروبا الشرقية مع الجمهوريات التي كان تسمى سابقًا بالاتحاد السوفيتي وفي الأصل هي بلدان إسلامية قد احتلت وانتزعت من بلاد المسلمين.
فبقي هنالك حلف واحد وهو (حلف الشمال الأطلسي) فيسمى بـ (القطب الواحد) أو الأوحد أي أنه لا يوجد ما يعارضه من الناحية العسكرية .
وظهر لك بهذا التقديم معنى المعسكر الشرقي والغربي، فالمعسكر الشرقي هو ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي أي الشيوعي الاشتراكي والغربي هو ما ينتسب إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
وأما عن موقف الإسلام منها فإن الله عز وجل قد بعث محمدًا صلوات الله وسلامه عليه بهذه الشريعة الكاملة والتي جعلها شاملة لكل نواحي الحياة والتي يضبطها خمسة أمور فاحفظها وشد يدك عليها:
فأولها العقائد، فتصحح عقائد الناس وتعرفهم بربهم وتعرفهم بحياتهم الدنيا ومعادهم ومصيرهم وبما يجب أن يعتقدوه في عامة أمورهم الدينية، وتعرفهم أيضًا بطرق عباداتهم التي يقومون بها كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من العبادات، وتعرفهم كذلك بالمعاملات التي تشمل معاملة الإنسان لنفسه ومعاملته لأهله ومعاملته للناس والمعاملات السياسية الخارجية والمعاملات الداخلية، فكل ذلك يشمله أصل المعاملة، وتعرفه أيضًا بالعقوبات التي تردع المجرمين المعتدين على أموال الناس وعلى حياتهم وعلى أعراضهم التي لابد لها من زجرهم وحفظ أمن الناس، وتعرفهم كذلك بالآداب التي يتأدبون بها في تعاملهم مع أنفسهم وتعاملهم مع ربهم وتعاملهم مع الناس، فبهذا يشمل الدين كل هذه المناحي ، فيشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يسمى أيضًا بالثقافية وإن كان الاسم الشرعي لها (النواحي العلمية)، فكل هذا يشمله هذا الدين الكريم، فإن هذه الشريعة قد كملها الله جل وعلا، قال تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.
وأما عن هذه المسميات فكلها قائمة على عدم الاعتراف بشريعة الرسول صل الله عليه وسلم ولا بشرائع الأنبياء، فعندهم الأمر قائم على فصل الدين عن الدولة، أي أنه لا حكم إلا ما يقرره الساسة والذين تارة يكونون متفردين وتارة يكونون منتخبين بما يسمى بالمجالس النيابية (البرلمانات)، وأما في هذا الدين الكريم فالرد إلى الله والرد إلى رسوله صل الله عليه وسلم ولما أخذ المسلمون بهذا ملكوا البلاد وفتحوا قلوب العباد وانتشر الإسلام وساد العدل بين الناس، فإن العدل لا يكون إلا في شريعة الله كما أن الظلم فيما سواها، قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
فالمؤمن يعتقد هذا الاعتقاد العظيم وهو رد الأمور كلها إلى شريعة الرحمن واتباع كتاب الله وسنة رسول الله صل الله عليه وسلم وتحكيمهما في جميع نواحي حياتهم، وهذا أمر يحتمل الشرح والبسط والبيان بما لا يحتمله هذا الجواب المختصر، وقد أفردت في ذلك بحمدِ الله الكتب الكثيرة، ونسأل اللهَ عز وجل أن يعز الإسلام وأهله وأن يرد المسلمين للحق ردًّا جميلاً وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين.
بالله التوفيق.